الأربعاء، 20 مارس 2024

عشرون عاماً من التدريس والعمل في التعليم العالي والبحث العلمي 2003-2023 (هوامش وملاحظات)

 

لِأمْرٍمَا لا أدرك كنهه (ربما هو التيسير لما خُلِقْت له) كان طموحي أن أصبح أستاذا جامعيا؛ وقد بذلت مجهودات لتحقيق رجائي وطموحي، فتم لي ذلك بعد توفيق من الله وتيسير وتسخير، فماذا بعد؟

في جامعة نواكشوط التوثب والانطلاق سافرتُ إلى القاهرة مبتعثا من الدولة الموريتانية؛ إذ كنت الأول على دفعتي، بموجب قرار المنحة رقم 768-99 (الصورة مرفقة) وهناك حصلت على شهادة الدراسات العربية العليا DEA بعد سنتين من الدراسة مع إنجاز بحث يناقش داخليا، ثم على شهادة الماجستير بعد سنة من البحث ومناقشة علنية لموضوع بخث بعنوان "البنيوية التكوينية والنقد العربي الحديث: دراسة لفاعلية التهجين" وهو منشور في كتاب منذ 2005 وقد اقتنته معظم الجامعات العربية والعالمية لمكتباتها.

عُدت إلى جامعة نواكشوط التي تخرجتُ منها، فكان من السهل علي أن أجِدَ موادَ لتدريسها مُتعاونًا بقسم اللغة العربية وآدابها، فأساتذتي أطال الله بقاءَهم همْ من يُسيِرون القسم؛ فقد كان رئيسه في ذلك الوقت أستاذي طيب الذكر أحمدُ ولد حبيب الله متعاوناً معي إلى أقصى الحدود، وكذا كلُ من تولى من بعده أمر القسم من أساتذتي الأفاضل.

تَدرجتُ في مراتب التدريس والإشراف، والرقابة والتقييم، والتنظير داخل اجتماعات اللجان المختلفة للقسم، بل وحتى المُشاركة في التكوينات والمؤتمرات والندوات الخاصة بالأساتذة المُرَسَمين.

وقد كانت هذه الفترة على العُموم فترة تَوَثُبٍ وانطلاق وحماسٍ منهجي وعَملي، اكتسبتُ خلالها خِبرة وقدرة على التعامل مع المحيط طُلاباً وأساتذةً وإدارةً، أما من ناحية العائد المادي فقد كنتُ أعمل للجامعة بدون مقابل تقريبا؛ حيث كان راتبي هو 12000 أوقية قديمة تصلني بعد ثلاثة أشهر من العناء والتعب، لكن إفادات الخبرة التي أستخرجها من قسم اللغة العربية وآدابها ومن كلية الآداب والعلوم الإنسانية كانت بلسما وشفاء لكل تلك الأدواء، إضافة لما ألمسه من ارتياح ورضى في وجوه الطلاب، وما يصلني من تقدير واحترام أساتذتي بالأمس زملائي اليوم.

وقد شاركت ضمن فريق القسم في تكوين أفواج من الطلاب أصبحت فيما بعد وقود التقدم والنماء لهذا البلد، منهم المدَرِسون والأساتذة، والأساتذة الجامعيون، والمنتخبون نوابا وعمدا، ومنهم الإداريون والسياسيون وغيرهم لله الحمد والمنة (الوثائق مرفقة)

   في المدرسة العليا للتعليم ENS لقد كان دافع الاكتتاب وتحصيل إفادات الخبرة سببا في أن أطرق بابَ طيبِ الذكر مدير المدرسة العليا للتعليم لبروفيسور محمد ولد أعمر (رئيس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم حاليا) فأخبرني أن الدكتور سيد أحمد ولد لمير قد التحق بقناة الجزيرة في تلك الآونة وأن مادته مادة الأدب الحديث لا تجد من يُدرسها، فدفعها إلي مع الترحيب، ووعدني بمواد أكثر في العام الدراسي المقبل بشرط حسن الأداء وقد وفَى وزاد جزاه الله عني كل خير.

وقد استفدت في هذه المرحلة من تجربة تدريس الكبار في مدارس التكوين المهني، ألوانا وأشكالا من التجارب تركت أثرا بالغا في تجربتي من حيث تنوع المستهدفين وتباين طرق التعامل معهم، وفي ENS فُتحتْ لي أبوب جديدة من خلال قاعة المعلوماتية التي افتتحتها المدرسة مزودة بآخر التقنيات في ذلك الوقت، وخاصة أنها مربوطة بالشبكة العنكبوتية الدولية (الانترنت) كما كانت إضافة لبروفيسور محمد ولد أعمر مدير المدرسة لاسمي في لائحة المستفيدين من دورة مكثفة لتعليم اللغة الفرنسية مصممة ومنفذة من التحالف الفرنسيAlliance Françaises خطوة إيجابية لها الأثر البالغ في تلك المرحلة من تكويني ومن تجربتي، وقد كانت الناحية المالية أكثر انضباطا من الجامعة، وإن كان السقف متقاربا حدَ التطابق، ورغم ذلك فقد ساهمت بجهد (ربما جهد المُقل) في تكوين أجيال من الأساتذة والمفتشين هم اليوم قوام التربية والتهذيب في المدارس الجمهورية والإعداديات والثانويات.

     في جامعة شنقيط العصرية وقد كانت تجربة مختلفة؛ حيث استدعتني الجامعة بعد مناقشتي لدكتوراه الدوله 2009 لأجل تدريس مادة مناهج النقد الحديث لطلاب ماستر الدراسات اللغوية والأدبية للمرة الأولى في حياتي، وقد زاد الطين بلة أن كان المستهدفون مجموعة من كبار مثقفي وأطر هذه البلاد يكفي أن تعرف أن من بينهم الدكتور محمدُ ولد احظانا، والصُحُفية المرحومة السالكه بنت اسنيد، لكن العملية تمت بسلاسة ونجاح بفضل متابعة إدارة الجامعة وحسن تعاون المستهدفين.

في جامعة العلوم الإسلامية بلعيون لقد كان افتتاح أول جامعة بالداخل وفي منطقة الحوضين تحديدا، مناسبة لاكتشاف مناطق الشرق الموريتاني وخاصة مدينة العيون الجميلة، والتعرف على بعد ثري آخر من تراثنا وثقافتنا المتنوعة في إطار وحدتها.

كانت التجربة هذه المرة في إطار الوظيفة العمومية، بعد الاكتتاب أستاذا مساعدا والترسيم في الرتبة، والترقية أستاذا محاضرا والترسيم في الرتبة، توقفت المسيرة زمنا طويلا لا لشيء إلا لأن أحدهم يريد للجميع عدم التقدم في الرتب الوظيفية لأنه تعرض لذات التوقيف قبل تعيينه وزيرا.

شاركت في التدريس منذ اليوم الأول – بل كنت المتحدث باسم الأساتذة خلال حفل افتتاح الجامعة يومَ كانت في مدرسة تكوين المعلمين، وبعد استلامنا للمباني الجامعية الجديدة في (لكنيبه) عُيِنتُ رئيسا لقسم اللغة العربية وآدابها، ثم بعد فترة عُيِنْتُ مستشارا إعلاميا وتربويا لرئيس الجامعة، ثم عدتُ أدراجي أمينا عاما لكلية اللغة العربية والعلوم الإنسانية وظيفتي الحالية، شاركتُ إذا في تكوين أفواج من الطلبة في مرحلتي الليسانس والماستر، وقمت بالإشراف على مذكرات تخرج العشرات منهم، فضلا عن إعداد المناهج والبرامج والخطط الدراسية، مرة بوصفي رئيسا للقسم، ومرة بوصفي رئيسا للجنة تسيير ماستر، ومرة بوصفي رئيسا للجنة إعداد خطة الكلية وغيرها من العناوين التي تَشْغل الوقت ولا تُغْني الواقع بشيء. 

وبالنسبة لي فإن التجربة المهنية العَمَلية والأكاديمية لم تزدد الكثير بعد تجربة جامعة نواكشوط والمدرسة العليا للتعليم ENS وجامعة شنقيط العصرية، وإن كان تنوع التجربة وإضافة البعد الرسمي والوظيفي لها قد جعلها مُصنفة وقابلة للتقييم، لكنها تزامنا مع ذلك فقدت الحماس، والاندفاع للعمل، والإنجاز وربما الإبداع؛ بسبب عدم خضوع الموظف في الغالب لقاعدة الجزاء والعقاب الناتِجَيْن عن المتابعة الدقيقة لأجل استفادة المرافق العمومية من خبرة الخُبراء، وتجنيبها للأخسرين أعمالا الذين ضلَ سعْيُهمْ في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً.


              أ.د. أحمد سالم ولد اباه

أستاذ مؤهل في اللغة العربية وآدابها من جامعة محمد الخامس - الرباط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق