وما دمنا بصدد معالجة لإشكالية القراءة السيميائيّة، فإن علينا أن نلاحظ :
أنه لا يوجد منهج كامل، مثاليّ، لا يأتيه الضعف ولا النقص من بين يديه ولا من خلفه. وإذاً، فمن التعصب التمسّكُ بتقنيات منهج واحد على أساس أنه، هو وحده، ولا منهج آخر معه، جْدُير أن يتَّبَع.
وذلك ما يعني تسليمنا بتقادم المناهج التقليدية العتيقة التي لا ينبغي التركيز في مدارستها إلاّ على أساس تاريخيّ خالص؛ كما قد يدرس العالم الإلكترونيّ مبادئ الميكانيكا التقليدية ليلمّ بوظائف القطع داخل الجهاز العام؛ كما كان ذلك في الزمن الغابر على الأقلّ.
وعليه فإن السيميائيّة قد تفضل في حالة معالجة نص شعري - كالمفضليات مثلا - مع استثمار كلّّ عطاءات التأويلية، والرمز، والقرينة، والإشارة، والمماثل (الإقونة)، والانزياح، وكلّ الإجراءات السيميائيّة التي تساعد المحلّل على قراءة نصّ شعريّ على نحو من الجمالية راقٍ.
وستجري قراءتنا لهذا المتن في ثلاثة من المستويات:
المستوى الأول: ويرتكز على التماس وجوه التشاكل والتباين في لغة الشعر العربيّ القديم من خلال أحد أكبر دواوين هذا الشعر وهو المفضليات.
المستوى الثاني: ويقوم على تقويم اللغة الشعرية لهذا النص في الشبكة الحيزية لمحاولة إفراز الأحياز فيه، أو من حوله؛ ثم لمحاولة منح الحيز الشعريّ شكلاً سيميائيّاً يثبت به من دلالته الجامدة إلى مجالات حيّة متفاعلة متجاوبة متخاصبة مع ما يجاورها، أو يكون لـه شأن بها.
المتسوى الأخير: ويتمثّل فيه تحليل هذا النص الشعري من رؤية فنية وتقنية أيضاً قَدْ تكون الممارسة التطبيقية التي جرت عليها؛ على هذا النحو من التفصيل والتركيز؛ ونعني بذلك الجهاز التقنيّ الذي سخّرناه لتأويل الألوان والمرئيات، والملموسات، والمشمومات، والمذوقات.
إن مشكل الشعرية اليوم كمثل مشكل الحداثة يأخذ منحى عالميا، وهوبذلك يوفر فرصة هامة لإعادة قراءة الموروث الشعري، قراءة أو قراءات جديدة في ضوء المناهج الألسنية الحديثة وبالذات مفهوم الدلالة والعلامة.
ولقد كان الشعر العربي القديم موضوع مقاربات نقدية متعددة، وكل هذه المقاربات أجهدت نفسها في مدارسته، وحاولت الاقتراب من عالمه، بأدوات إجرائية مختلفة اختلاف المنطلقات المعرفية والأدوات الإجرائية التي تتبناها ، مما أعطى ثراءً نقدياً وشجع الخطاب النقدي العربي الحديث على محاولة الاجتهاد، الاجتهاد الذي أدرك أن النص الشعري العربي القديم رسالة ذات شفرات غير محددة تحديداً يقينياً، بل هو نص يخترق الزمن ليعيش في اللازمان، وأن أصالته نابعة من تفتحه لكل قراءة جادة تحاول أن تتعامل مع خطابه الشعري بأدوات فيها من الجدَّة والأصالة، ما تفك به شفراته دون السقوط في المعيارية، فتعمل - بوعي - من أجل طرح السؤال لتنبثق منه أسئلة متعددة.
إن الموضوع الذي وقع اختيارنا عليه لدراسته بحكم جدته وطرافة أدواته واقتناعنا بها، قد ساعد على نفسه كثيرا لتخطي الصعاب التي تواجه البحث العلمي بصورة عامة ، وفي العلوم الإنسانية بصورة خاصة، والتي نذكر منها ندرة المصادر والمراجع ، وصعوبة الولوج إليها، وكذلك عدم مواتات الظروف الاجتماعية والسياسية في كثير من الأحيان بسبب االتغير الدائم ، نتيجة للمواضعات التي لاتخدم الاستقرار والتراكم في غالب أحوالها، ومع كل ذلك فقد سعينا بعون الله إلى أن ننتهي من العمل فيه حسب الجدول الزمني المرسوم، وإني لأعتبر نفسي محظوظا عندما قبل الأستاذ الدكتور صلاح فضل الإشراف علي في إنجاز هذا البحث، الذي يشي في ثناياه بالكثير من أثره، من خلال التوجيه والنصح والإرشاد، كان عودني إياها في المراحل السابقة على الدكتوراه وذلك في بحثي الدبلوم والماحستير، فله مني جزيل الشكر وخالص الامتنان ووافر الدعاء .
وبعد فإن الكتاب موجه لطلاب كليات الآداب ومدارس المعلمين والأساتذة، وجمهور القراء، ورواد المكتبات الثقافية، والمتخصصين في مجال الأدب والنقد.
وبعد وضع الخطة ومراجعتها أكثر من مرة وتعديلها في السيمنار تمت إجازتها كما هي على النحو التالي:
المقدمة
المبحث الاول: في المهاد النظري
الفصل الاول: مفاهيم النظم السيميولوجية
الفصل الثاني: السيميولوجيا وتحليل الشعر
الفصل الثالث: علامات الشعر الجاهلي
المبحث الثاني: مدونة المفضليات نص ام مجموعة نصوص
الفصل الاول : الحدود النصية في المدونة
الفصل الثاني: عناصر الشعرية في المفضليات
الفصل الثالث: مستويات العلامة وابعادها الدلالية في المفضليات
المبحث الثالث: نظم العلامات في المفضليات
الفصل الاول : نظم العلامات للكائنات الحية
الفصل الثاني: نظم العلامات للكائنات غير الحية
الفصل الثالث: التداخل الدلالي بين النظم المتنوعة
الخاتمة
المصادر والمراجع
الملاحق
* السيميولوجيا والشعر العربي القديم ( مفضليات الضبي نموذجا ) المكتبة المصرية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة ط 1 /2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق