الأربعاء، 5 يناير 2011

نظرية الأدب قراءة جديدة للأسس والمرتكزات


د. أحمد سالم ولد اباه


ظهرت الطبعة الأولى لكتاب " نظرية الأدب "[1] لمؤلفيه رينه ويليك و اوستن وارن بالانكليزية سنة 1948 ، وقد بلغت عدد صفحاته حينئذ حوالي 393 صفحة، أما اللغات التي تمت ترجمته إليها بالفعل فعددها 22 لغة بما فيها لغة الضاد، وتتجلى أهمية الكتاب في أنه وثيقة مهمة، آذنت بميلاد نقد جديد، مبني على أساس الموضوعية والمنهجية، كردة فعل على المدارس والحركات النقدية التي كانت تتخذ من الأدب وثيقة للاستدلال على أشياء بعيدة عن خصائص الأدب الجمالية، ولأن الجدة والابتكار يصاحبهما الغموض دائما في كل ما هو جديد، فإن الكتاب جاء لاستجلاء المعاني والخلفيات الفلسفية، وهي في مجملها المصطلحات التي يقوم عليها النقد الجديد، خاصة أمهات تلك المصطلحات وهي : النظرية الأدبية، النقد الأدبي، التاريخ الأدبي، وقد اعتبر ويليك أنها تعني "دراسة مبادئ الأدب وتصنيفاته ومستوياته، والثانية اعتبرها مدخل استاتيكي، للدراسة الأدبية، أما التاريخ الأدبي فيرى ويليك أنه يدرس الأدب في حركته " [2]
ولشدة تداخل الثلاثة لا يمكن تصور أي منها بمعزل عن الآخر، وهذا الاقتناع هو ما صدر عنه مؤلفا الكتاب حين جاءا بمصطلح "المنظورية Prespectivism " الذي يعني في الأساس الاحتفاظ للعمل الأدبي بكيانه القائم ذاتيا، دون أن يمنع ذلك انفتاحه على رؤى أخرى من زوايا مختلفة تاريخية واجتماعية ، ولعل العبارة المشهورة تلخص وجهة النظر هذه بشكل أحسن" التاريخ الأدبي ليس بديلا للنقد الأدبي"
ويعد هذا الكتاب بحق نموذجا من التعاون المثمر بين كاتبين لإخراج عمل واحد، تتداخل فيه الرؤى والأفكار والاهتمامات حتى تداخل الفصول حيث لم يقدم أي من الكاتبين فصوله متوالية بين دفتي الكتاب، وإنما فصول ويليك الخاصة به هي: 1،2 ، 4، 7، 9، 14، أما وارن فيختص بالفصول :3، 8، 15، 18، واشترك الكاتبان في تحرير الفصل الأخير.
الباب الأول : تعريفات وتمييزات:
الفصل الأول: الأدب والدراسة الأدبية
يتلخص التفريق بين النشاطين في كون الأدب نشاط خلاق، إذ هو فن وإبداع وإنشاء من العدم ،أما الدراسة الأدبية فإن لم تكن علما بأدق معاني الكلمة، فهي من المعرفة والتحصيل وبذل الجهد، الذي يصاحبه عادة بحث وإعمال فكر وعقل للاستنتاج والتدبر والاستخلاص، فضلا عن جمع الإحصائيات والمعلومات حول الموضوع المدروس.
غير أن بعض الناس اعتقد مدفوعا بتصورات من نوع آخر، أن الدراسة الأدبية بما هي تذوق في الأساس فإنها تحتاج من الدارس إلى أن يعيش تجربة تشابه أو تقارب الموضوع المدروس، هذا التمثل وهذه الإبداعية ستتيح للدارس أن ينتج معرفة حول الموضوع بسبب معايشته إياه.
أما البعض الآخر فيرى أن دراسة الأدب خلق مواز للنص الأدبي المدروس، ولذلك فقد حصلنا عند هؤلاء علي "نتائج تبدو لمعظمنا ليست ذات بال مثل وصف باترPater للوحة الموناليزا" [3] ، ولا شك أن التنافر بين التقدير أو التذوق والانفعال بالأدب في ذاته هو ما يقابل الدراسة المنهجية التي يصبو إليها معظم الناس، والسؤال الأساسي في هذا المنحى هو كيف نجد للفن وهو القائم علي الخيال أساسا عقليا ندرسه به ؟ علما أن الموضوعية والنزاهة عن الميل الشخصي يعدان المطلب الأول في هذا المنحي .
وبالرغم من النتائج المذهلة التي تحققت في جل الميادين العلمية، وبتطبيق منهج بذاته ، فإن ذلك في مجال الأدب قد أثبت فشله ، ومن ثم يمكننا القول "إن الدراسة الأدبية لها مناهجها الخاصة التي ليست هي دائما مناهج العلوم الطبيعية " [4] ، وإن اتفقت معها في الاستقراء والاستنباط والتحليل والمقارنة ، ولعل نموذج دلتي dilty الآتي يوضح الفرق بين الدراسة العلمية والأدبية، بل والإنسانية بصورة عامة، حيث يرى أن الدارس في مجال الأدب "يرى الحادث من حيث الأسباب التي سبقته وأدت إليه، بينما يحاول المؤرخ أن يفهم مغزى ذلك الحادث، وعملية الفهم هذه من جانب المؤرخ مسألة فردية بالضرورة ،بل إنها مسألة ذاتية" [5]
وعلى هذا الأساس فإن الدراسة الأدبية إنما تدرس الأديب لاكتشاف الخصائص المميزة له، تلك الخصائص التي جعلت منه أدبيا مميزا عن باقي الأدباء ومن الواضح هنا أن القضية تتعلق بالفردانية وبالقيمة ، حيث أن دراسة الصفات العامة المشتركة مع الباقين ستجعل مهمتنا تنتهي إلي نتائج تصدق علي أكثر من أديب، وبالتالي فهي عامة يكفي القيام بها مرة واحدة، بينما نحتاج إلي دراسة للخصائص المميزة لكل أديب ، وللتمثيل على ذلك يمكن أن نقول إن العمل الأدبي كالفرد من بني آدم له خواصه الفردية ،لكنه يشارك في خواص عامة بعض الأعمال الفنية ، بذات الطريقة التي يشارك بها فرد من الأفراد البشر في صفات البشرية عموما أو بني وطنه أو طبقته أوحرفته .
بقي أن نشير إلي أن من محمولات هذا الفصل مقارنة أخرى طريفة بين الدراسة الأدبية والقراءة ، مما يؤرخ لظهور مصطلح القراءة كدال علي جملة من المدلولات تتفاوت في تراتبيتها حسب المجهود والهدف، وقد تطلق على التفهم النقدي، والمطالعة للتثقيف الشخصي، والأمر في كل ذلك يعتمد علي الميول والأهواء والتأثر، مما لا يمكن أن يعتبر بديلا عن الدراسة الأدبية ذات المنهج القديم المعتمد علي الاستقراء والتحليل والاستنباط، بشكل موضوعي يعتمد السببية ويبتعد عن القفز .
الفصل الثاني: طبيعة الأدب
علينا أن نحدد في البدء مفهوم الأدب لنعرف ما الذي يدخل في نطاقه وما الخارج عنه، إذ أن من الناس من يعتبر الأدب كل شيء مطبوع، ومنهم من يعتبره الكتابات المتميزة شكلا ومضمونا، ذات القيمة الجمالية، والمتسمة بسمو الناحية الفكرية، واضح أن التقابل بين المعاني اعتمد علي أصل اشتقاق الكلمة الانكليزية
LIteratur من الأصل اللاتيني Litra ومعناه حرف " ومن ثم فهي توحي بالاقتصار علي المكتوب أو المطبوع ،غير أن كمال المعني ومعقوليته يقتضي أن نأخذ في حسباننا الأدب المنطوق " [6] وهو ما عولت عليه جل اللغات الحية في العالم .
وتتجاوز قضية الجواب عن طبيعة الأدب التعريف، إلي المادة وهي اللغة لتجد نفسها في تقابل جديد بين لغة الأدب ولغة العلم، ومن الشائع أنه من السهل التمييز بين لغة العلم ولغة الأدب، لكن أغلبهم يعتبر المقابلة بين الفكر وبين العاطفة والشعور كافيا، وليس الأمر كذلك، لأن الأدب غالبا ما أشتمل على الفكر .
ولعل التفريق بين اللغتين الأدبية والعلمية إجمالا يتجلى في أن اللغة العلمية :
1 ) مباشرة
2 ) شفافة حيث تؤدي المعني دون انشغال باللفظ
أما اللغة الأدبية فتميل إلي :
1 ) احتمالية المعني وتعدد الدلالة
2 ) مشبعة بالذكريات والتداعي الحر
3 ) التضمين
4 ) الإحالة حيث تحيل إلى اتجاه الكاتب ومستواه الثقافي .
5 ) تهدف إلي التأثير علي المتلقي وخلق رأى لديه جمالي أو فكري
6 ) القيمة الصوتية للكلمة ، حيث الاهتمام بالوزن، وموسيقي الألفاظ لتكوين نسق صوتي محدد .
يجرنا هذا التفريق إلي الوظيفة الجمالية للأدب، وأنواعه التي تنبسط وتنكمش، حسب عصور التاريخ المختلفة مثل المقال والسيرة، وفن الدعاية وغيرها من الكتابات البلاغية .
إن المحاولات التي قيم بها أعلاه لتحديد أشياء عن مفهوم الأدب ومادته، وخصائصه يدل بما لا يدع مجالا للشك أن العمل الأدبي " ليس بسيطا بل هو بناء غاية في التركيب متعدد الأسطح متشعب المعاني والارتباطات " [7] ، وعليه فإن أي تصد له ينبغي أن يأخذ ذلك في الاعتبار ويضيف ما تتوصل إليه العلوم الإنسانية من آليات غير أن جوهر مساءلة العمل الأدبي "ينبغي أن تبدأ بتساؤلات أكثر تعقيدا حول كيفية وجوده، وطبقات معانيه ."[8]
الفصل الثالث: وظيفة الأدب
تعتبر اللذة أو الجمال المقابل الأساس للتعليم والفائدة والتوجيه في هذا المنحى، بل قد يحاول البعض تلخيص وظيفة الأدب بجمعه للاثنين معا، فتكون وظيفة الأدب التعليم من خلال اللذة، أوالتلذذ بالتعليم، وليس النقاش الذي حصل بين أنصار"الفن للفن" و" الفن للحياة " منا ببعيد، بل وقبل ذلك حين اعتبر هوراس الشعر جميل مفيد، ونحن إن كنا نود فهم الأمر بعيدا عن المناظرة والطرح والاستدلال ينبغي أن نستصحب"السببية" ونعتبر المقصود بكلمة "ممتع أو جميل" تعني لا يدعو إلي الملل أوليس من قبيل الواجب، أو مقصود لذاته ، وتعني كلمة "مفيد" ليس مضيعة للوقت، أو ليس شكلا من "تزجية الفراغ " [9]
ويعني هذا التلازم النسبي أن المتعة هنا هي متعة سامية، لأنها جاءت عن طريق التأمل وإعمال الفكر، الذي يتنافى مع السطحية والسقوط، وكذلك المنفعة الجادة المفيدة التي تختلف اختلافا بينا عن الواجب الذي لامناص منه، وبذلك تكون الجدية ممتعة والإمتاع جادا.
ولتقارب الأدب مع مجالات مجاورة تتداخل وظيفته أو وظائفه معها، كالتأمل والفلسفة والتاريخ والموسيقي والتصوير، ولكن له خصوصياته التي تميزه عن باقي النشاطات الأخرى، إذ يكفينا أن نعلم أن جل العمليات العقلية والفكرية الإنسانية وخاصة هذه الأنواع إنما هي التعليق علي الوقائع أو الأمر الحاصل، بينما يختص الأدب بكونه حديث عن الأمر القابل للوقوع.


الفصل الرابع: النظرية الأدبية والنقد وتاريخ الأدب
يمكن أن نفرق بين الثلاثة من حيث نظرة كل واحد منها إلي الأدب، بالمادة يستخدمونها جميعا، فنظرية الأدب ترى أنه نظام متراكب، ينبغي أولا أن نكتشف قواعده وأسسه، من أجل تبيين حقيقته .
أما النقد فيحصر مهمته في دراسة العمل الأدبي، أو الأعمال الأدبية لذاتها، تذوقا وشرحا، وتقديما إلي القارئ، وسواء تمت المقارنة بين الأعمال فيما بينها، أو قورنت مع أعمال أخرى، من حيث التسلسل التاريخي، أو من حيث المشترك بينهما جماليا وفنيا، أو درست منفصلة عن بعضها فكل ذلك يدخل في إطار النقد.
فيما ينحصر عمل تاريخ الأدب في ترتيب الأعمال الأدبية زمنيا، ومعرفة خصائص كل فترة والتأريخ لها، ومقارنتها بتمفصلات التاريخ السياسي أو الثقافي وتأثير كل منها علي الآخر، بل إن من مؤرخي الأدب من يتخذه مادة للاستدلال على أحداث وآراء بعينها .
غير أن مالا يتبادر للكثير من الناس، وحتى من المهتمين وبعض الدارسين أن هذه العبارات أو المسميات لا يمكن استخدامها في عزلة عن بعضها ، فهي متداخلة تماما إحداها عن الأخرى، لدرجة لا نستطيع أن نتصور النظرية الأدبية دون النقد، أو التاريخ الأدبي، والعكس صحيح .[10]
غير أنه مما لا خلاف حوله أن المتصدي لمعالجة الأعمال الأدبية مؤرخا أو منظرا أو ناقدا، حين تكون أدواته الفنية النظرية موثقة ومعرفته بالتاريخ وأصول الأعمال وفنياتها وجمالياتها معدة بإتقان يكون الناتج أحسن، لأن المرايا الثلاث تعمل معا، وكل ما كان متخصصا في إحدى الزوايا دون غيرها يكون عمله عرضة للاجتزاء والإسقاط، إذ أنه كما يرى بعضهم فإن" الفصام السائد بين النقد الأدبي والتاريخ الأدبي كان معوقا لكل منهما ". [11]


الفصل الخامس: الأدب العام والمقارن والقومي
يشير الاستخدام المتبادر لمعنى "أدب مقارن" إلى دراسة العلاقات بين أدبين أو أكثر، وعلى وجه الخصوص التأثير والتأثر المتبادلين، سواء أخذت المقارنة على عاتقها تتبع حياة أديب بعينه، وتأثيراته على أدب أو مجموعة آداب، أو رامت الدراسة تأثير نوع أدبي أو تيمات أدبية على آداب قومية مختلفة، في فترة زمنية معينة ، وعلى سبيل المثال فيمكن أن" تكون دراسة بعض مظاهر "رواج اوسيان Ossian في فرنسا ، أو انتشار شعر المقابر، مداخل لدراسة بعض الحقائق والعلاقات المتداخلة بين مجموعة من الآداب العالمية " [12] .
الباب الثاني: إجراءات مبدئية
الفصل السادس: ترتيب الأدلة وتحقيقها
"إن المشاكل التي عولجت في هذا الفصل هي في الواقع المشاكل الوحيدة التي تناقشها الكتب المتداولة في مناهج البحث، وهي المناهج التي تقوم بالتدريب عليها معاهد الدراسات العليا الأمريكية، ومع ذلك فمهما كانت أهميتها ، ينبغي أندرك أن هذه الأنماط من الدراسة، إنما تضع الأسس للتحليل الفعلي والتفسير، وكذلك الشرح المنتسب للأدب فحسب" [13] .
الباب الثالث: المدخل الخارجي لدراسة الأدب
إن الدراسة الخارجية للأدب تعني عند جل المهتمين بهذا الحقل المعرفي محاولة تفسير الأعمال الإبداعية عن طريق ما يحيط بها من ظروف زمانية )التاريخ(، وواقعية مجتمعية )اجتماعي(، أو داخلية أي من خلال انعكاس السلوك والدوافع والعقد (علم النفس،( غير أن هذا المنحى في اعتبار آخرين يعد" تعليليا " بمعنى أنه لا يوغل كثيرا في تفسير الأدب، بما هو أكثر ارتباطا به مثل اللغة التي يمكنها أن تشرحه أكثر .
ولأن بعض الدارسين نظروا إلى العمل الأدبي في علاقته بكاتبه نظرة غير خصبة، فاعتبروا أن الأدب هو نتاج مبدع فرد، ورتبوا على ذلك الاستنتاج الذي يعتبر أن الأدب يدرس حق الدراسة فقط من خلال السيرة الذاتية والتكوين النفسي للكاتب، فإن آخرين وجدوا من دراسة الأدب خارجيا نتائج دون ذلك، واكتفوا فقط بإثبات ترابط _ أي ترابط _ بين حياة الكاتب ومحيطه ومجتمعه.
الفصل السابع :الأدب والسيرة
مما لامراء فيه أن علاقة الكاتب بما كتب لا تحتاج عناء لإثباتها، ولذلك كانت دراسة العمل من خلال تتبع أثر الكاتب فيه، طريقة متبعة من قديم الزمن .
من هنا فإن علينا أن ننتبه إلي الفوارق الدقيقة بين كتابة أديب عن نفسه بمادة أدبية ، وكتابة ذات الكاتب بمادة أدبية عن موضوع ليس ذاتيا بل إبداعيا، وعليه ف "ينبغي أن ننتهي إلي التفسير البيوجرافي واستخدام كل عمل فني يحتاج إلي تمحيص دقيق وفحص في كل حالة، إن العمل الفني ليس وثيقة لكتابة السيرة الذاتية " [14]، وبعبارة أخرى وبما أن السؤال في بعض الأحيان يكون أوضح من التقرير نقول " أليس من المستحسن أن نفرق تماما بين الشخصية الفعلية للكاتب، وبين العمل الفني الذي يمكن أن يوصف مجازا فقط بأنه شخصي ؟ " [15]
من ناحية أخرى ومع ظهور نظرية " المرآوية " ، وأن حياة الشاعر انعكاس لأدبه، والعكس صحيح أصبح من المتداول اعتبار عمل الشاعر قناعا للتحدث مباشرة، أو من خلال وسائط عن ذاته وحياته الشخصية ، وبالفعل فلوا أخذنا بهذه الاعتبارات لوجدنا أن الدراسة البيوجرافية ستكون فاعلة في اكتشاف خفايا الإنسان من خلال أدبه ، واكتشاف الأدب وخصائصه من خلال خفايا الكاتب وأسراره ، ومن المفيد هنا التنبيه إلي أن السيرة تجمع بالإضافة إلي ما ذكر سابقا، قراءات الكاتب ، وعلاقته بالآخرين سواء في النادي، أو الحزب، أو مكان العمل ، أو أسفاره بالإضافة طبعا إلي المؤثر الكبير، وهو البيئة التي عاش فيها، ويفرقون عادة في هذا المنحى بين البداوة والتمدن .
الفصل الثامن: الأدب وعلم النفس
يرتبط الإبداع منذ العصور الأولي في ذهن متلقيه ومنظريه بالجنون، ويتفاوت ذلك الارتباط من اعتبار المبدع ملهما (اسم مفعول ) من شياطين يوحون إليه زخرف القول ، إلي اعتبار المبدع إنسانا عصابيا ( مريض بمرض العصاب، وهو حالة تصيب بعض المبدعين )، ولكن المشكلة هنا كامنة في بساطة هذا التعليل " إذ يمكن أن يعزى أي نجاح بعد أن يتحقق إلي دافع تعويضي " [16]، أو مرضي، أو ماشاكل ذلك .
وتعد فكرة الإلهام مركزية بشكل كبير في مختلف الثقافات ، وإن كان المحدثون يرونه المعادل الموضوعي لما يطلق عليه في إطروحات المحللين النفسيين للأدب (اللاشعور) والذاكرة الجمعية، بمعني التفاعل الدائم بين مكتسباتنا وطريقة إذاعتها، وتأثير الشعور، والدوافع والغرائز، واللعب الكبير إن صح التعبير .
الفصل التاسع: الأدب والمجتمع
الشعر كما – اللغة – كائن اجتماعي ،لأن الأدب الذي هو أعم من الشعر في مجمله "محاكاة" للحياة، كما كان محاكاة للعالم السفلي، الذي يعتبر صورة للعالم العلوي عند آخرين، ونحن حتى مع اعترافنا بدور الفرد في عملية الخلق والإبداع ، فلنا أن نتساءل هل الفرد إلا وحدة من مجتمع، شحنه من آرائه، وتصوراته وأفكاره، أو علي الأقل أودعه " رؤيته للعالم " ، ولذلك فلم يدع أي دارس للأدب أنه لا يبحث عن مؤثرات اجتماعية داخل الأدب، إذ أن معظم "المباحث التي تثيرها الدراسة الأدبية، هي في النهاية مباحث اجتماعية : مباحث في السنن السائدة ، والمواضعات والعادات المطردة ، الأجناس والرموز والأساطير " [17]
وباستثناء الاتجاه الكمي الذي يعتبر الذيوع والانتشار معيارا للنجاح الأدبي، فإن كل المهتمين بالأدب يرون للمجتمع - ممثلا في المتلقي قارئا وكاتبا وسامعا - الدور الأبرز في نجاح أو فشل ، قبول أو رفض الكتاب وما يكتبون والشعراء وما يسطرون ، إن علاقة الأديب بمجتمعه وبرسالته يمكن أن تتصور في شكل ثالوث متبادل التأثير والتأثر ،بحيث أن المجتمع "يربي" أبناءه بتلقينهم النصوص الأساسية في ثقافته ، فينتج عن ذلك التلقين نوع من الوعي، والهضم، والتحويل، إلي منتوج جديد يكون موجها إلي المجتمع ، من هنا يتضح أن الثالوث له علاقة تأثر وتأثير فيما بينه بشكل متناوب علي النحو التالي :
1 مجتمع رسالة مبدع (مرحلة تكوين الفرد بالتعليم، والتربية )
2 رسالة مجتمع مبدع (مرحلة اختبار المعارف، ونقدها وفرزها)
3 مبدع رسالة مجتمع (مرحلة العطاء، ومشاركة المبدع اجتماعيا )
فالكاتب – كما يقول المؤلف – "لا يتأثر بالمجتمع فحسب بل إنه يؤثر فيه، والفن لا يحاكي الحياة فقط، بل إنه يشكلها " [18] ، ولأنه كما رأينا سابقا يوجد بعض الدارسين المولعين بالإحلال، أي جعل موضوع بديلا عن الآخر ، رغم أنه في الواقع الدقيق لا توجد بدائل موافقة ، فيقع بعضهم في فخ الاعتماد علي الأدب كبديل عن علم الاجتماع أو العكس .
الفصل العاشر: الأدب والفكر
تعنى المعالجة الفكرية للأدب في الأساس بالشعر الغنائي، وبالأخص شعر التأمل والحكمة ، لكنه قد يتوجه أيضا إلي الأدب التوجيهي الذي يحمل في العادة أفكارا دعوية ، يبذل فيها المجهود الذي تستحق عند إنتاجها ، وتحتاج لإعمال الفكر حتى نفهم المغزى منها، ولاغرو أن كان للنقد علاقة بالفكر، إذ كان مؤسسه الأول أرسطو، ولا نعلم مفكرا بعد ذلك لم يقم بمعالجة الأدب، بل واعتباره مركزيا في الحياة العقلية والفنية للمجتمعات الإنسانية عامة .
الفصل الحادي عشر: الأدب والفنون الأخرى
يقصد بالفنون الأخرى هنا الموسيقي، والنحت والتصوير، ونقصد بالواو التي تكون عاطفة بقصد تبيان التعالق بين شيئين، فنحن مثلما نقول "واو المعية " لواو في مثل "كل صانع وما صنع " فإن هذه ينبغي أن تسمي " واو العلاقة " .
إن هذه الفنون كثيرا ما اتخذت الشعر مصدرا لها ، واتخذها الشعر ملهما، أو قل ظلالا يستوحي منها صوره، وهي بالإضافة إلي ذلك قرينته ، أما ما هو أكثر عمقا فهو ما قد أصبح يعرف بتراسل الفنون : أي سعى كل فن إلي شغل حيز من مهام وخصائص الفنون الأخرى أو بعضها ، وقد أصبح ذلك شائعا في العصر الحديث حين أصبحت القصائد قطعا فنية جيدة النحت ، وسمفونيات هادئة حر ة وصاخبة أخرى، ورغم كثرة تناول الفنون الإبداعية لمحاولة معرفة كنهها والتاريخ لها، فإن بعض الدارسين أكد أنه "لن يكون هناك نقد لفن ما، بل لن يكون هناك تاريخ مقارن للفنون، إذ لم نركز على تحليل الأعمال الفنية ذاتها " [19]
الباب الرابع: الدراسة الداخلية للأدب
الفصل الثاني عشر: تحليل العمل الفني الأدبي
يعقد هذا الفصل لملاحظة أنه لفرط اهتمام مؤرخي الآداب بخلفيات النص الأدبي، فقد أصبحت اهتمامات النقد بتحليل العمل الأدبي ذاته ضئيلة ، بالرغم من كونها هي المبرر الوحيد لاهتمامنا بحياة الكاتب وبيئته الاجتماعية ، ومما يساعد على حياة العمل الأدبي أن كل قراءة له إنما هي زيادة فيها وتوسيع من دائرة فهمها وكما يقول المؤلف فإن "كل أداء لها يضيف للقصيدة عناصر خارجية من لزمات فردية للقارئ تتعلق بالنطق، وطبقة الصوت والسرعة والتوقيت وتوزيع الشعر" [20] وعلى هذا الأساس فإن إساءة القراءة التي هي نهاية كل محاولة، تمد من حياة الأعمال وتساعد علي انتشارها.
الفصل الثالث عشر: الرخامة والإيقاع والوزن
يحاول هذا الفصل تمييز إضافات النسق الصوتي إلي العمل الأدبي، رغم تفاوت الأنواع الأدبية في تمركز الوزن والإيقاع داخلها ، بالإضافة إلى أن جماليات الصوت ينبغي أن لا تعتمد على الأداء الفردي لقياسها، إذ أن " القراءة الجهرية لعمل أدبي هو أداء : هي تحقيق للنسق الصوتي قد يضيف شيئا فرديا وشخصيا وربما شوه أو حتى تجاهل النسق" [21] ، أما عن مراسل الفنون الذي يعني - في هذا الإطار - إشمام النثر رائحة الإيقاع ، والحد من صخب أوزان الشعر، فهو رأي يجد معارضين كثيرين إذ أن معظم القراء المحدثين متمشين في هذا مع ذوق العصر الحاضر بتفضيل النقاء في الفنون والأجناس، يفضلون شعرهم منظوما ونثرهم منثورا " [22]

الفصل الرابع عشر: الأسلوب وعلم الأساليب
وبما أن مادة العمل الأدبي هي اللغة فإنها تبقى المحدد الأساس لطبيعته، والمقياس الأول لمعرفة حقيقته، والتغيرات التي تطرأ عليه خلال مسيرته، حيث أن طابع العصر في قصيدة ما لا يكون مرده إلى الشاعر وإنما إلى اللغة "[23]
وتنجح المقاربة الأسلوبية الإبداعية حين تكشف ظاهرة فنية أو أسلوبية تغلب على نص أو مجموعة نصوص، وتثبت ذلك بالفحص الدقيق والاستنتاج، من خلال جملة من التحليلات التي تؤدي إلى نفس الطرح وذات النتيجة، وتكون النتيجة مضمونة حين نضيق دائرة الدراسة، إذ أن الدائرة حين تكون متسعة يعرضنا ذلك لصعوبات مثل " البحث عن العامل المشترك بين كتاب غاية في التفاوت وأحيانا بين كتاب ينتمون لبلاد عديدة " [24]
الفصل الخامس عشر: الصورة والمجاز، والرمز والأسطورة
الصورة أو التصور مجال حسي واسع وذهني أيضا، ويتفاوت الناس في القدرة على استرجاع الخبرات الحسية والإدراكية، التي ليست بالضرورة مرئية، وإنما قد تكون متخيلة، وقد لا تعتمد على اللغة بمعناها الحرفي، ولا بمعناها التأويلي كاللغة الشمية، والذوقية، وبالإضافة إلى هذه الاختلافات العائدة إلى طبيعة الصورة هناك اختلافات أخرى تعود إلى تنوع العادات البشرية وثقافاتهم وطرقهم في الإدراك والاستنتاج .
الفصل السادس عشر: طبيعة الفن الروائي وأشكاله
الحقيقة أن المميز الأساسي للرواية أنها تحاول مضاهات الواقع، مما يسبب محاولة دائبة للإيهام بالواقعية، فينشأ عن ذلك الكثير من الوهم الذي هو مكمن الأدبية في هذا النوع " وليس الفرق هنا بين الحقيقة والوهم، ولكن بين مفهومين مختلفين للحقيقة، وبين نمطين مختلفين للوهم " [25]

الفصل السابع عشر: الأجناس الأدبية
يتقابل الفن من الفنون الأدبية (الأجناس) مع المؤسسة في رأي الكاتب، ويرى أن الانضواء تحت مؤسسة من المؤسسات، إنما يقصد منه إيجاد مظلة للعمل تحتها، ولا يعني بالضرورة تنافرا مع المؤسسات الأخرى، وكذلك الجنس الأدبي في تقابله التنوعي مع الأجناس في دائرته، ولعله قد أصبح الآن من الواضح أن نظرية الأجناس الحديثة وصفية في الأساس، إنها لا تضع القواعد للمبدعين، " وبدلا من تأكيد الفروق بين الأنواع تعنى النظرية بإيجاد العامل المشترك في إطار كل نوع والأفانين الأدبية المشتركة والهدف الأدبي الموحد " [26]
الفصل الثامن عشر: التقويم
يقصد في العادة من الاهتمام بأي عمل إبداعي، والتعاطي معه، إصدار أحكام بشأنه، ويتفاوت الناس في القدرة على تقويم، أو تقييم الأعمال الإبداعية، انطلاقا من تفاوتهم في المستوى الثقافي وتمكنهم من الأدوات الإجرائية المعينة على ذلك، وبالجملة فإن هذه العملية تعتمد في العادة على أسس أهمها :
1- تحديد المعايير، والمنهج المتبع لقراءة النصوص بالنظر إلى النص وإلى ما يصلح لقراءته.
2- فرز الأسس واعتماد ما يقدم شيئا في هذا العمل دون غيره، وبهذه المقاربة دون غيرها.
3- مقارنة فعالية الأأأأسس والمعايير بأخرى، إذ أن نسبية الفاعلية تقتضي النظر في كل أساس وكل معيار في نفسه، وفي علاقته بالموضوع المدروس، وبغيره من الأسس، وبالباحث أو الناقد نفسه الذي سيستعمله، وسيفيدنا ذلك حتما في قياس الإنتاجية التي نتوخاها قبل الدخول في أي ممارسة نقدية نقصد من ورائها إصدار أحكام .
إن محاولتنا هنا التنبيه إلى ضرورة اتخاذ معايير، وقياس فعاليتها، يهدف في الأساس إلى القرب أكثر من الخصائص المحضة للعمل الأدبي، وأهمها بالطبع مادته وهي اللغة، دون أن نقصي ما قد يحمله العمل الأدبي من توجيه، وفوائد بل ومن معلومات " فالعمل الأدبي شيئ جمالي قادر على استثارة الخبرة الجمالية (لكن) هل يمكننا أن نقوم العمل الأدبي كلية على أسس جمالية أم (أن) علينا – كما اقترح إليوت – أن نحكم على أدبية الأدب بمعايير جمالية، وعلى عظمة الأدب بمعايير تخرج على نطاق الجمالية " [27]
الفصل التاسع عشر: التاريخ الأدبي
" هل يمكن أن يكتب تاريخ أدبي بمعنى أن نكتب مادة أدبية وتاريخا أدبيا " ؟ [28]ص 351
الباب الخامس : الموقف الأكاديمي
الفصل العشرون: البحث الأدبي في الدراسات العليا الجامعية
إن الدراسة الأدبية في جامعاتنا ينبغي أن تصبح ذات هدف أدبي، وأن تبتعد كل البعد عن التفاصيل الممتعة التي يغرقنا فيها البحث، وأن تتوجه نحو المشاكل العريقة التي ظلت دون حل والمتعلقة بالتاريخ الأدبي والنظرية الأدبية كما ينبغي أن يذكيها ويوجهها النقد الحديث، والأدب المعاصر، وأن نقوم على المشاركة في الأدب كتقليد حي" [29]


الهوامش :
[1] ) نظرية الأدب: رينه ويليك اوستن وارن، ترجمة عادل سلامة، دار المريخ 1992 ، الرياض
[2] ) نفسه ص10
[3] ) نفسه ص 24
[4] ) نفسه ص 25
[5] ) نفسه ص 26
[6] ) نفسه ص 34
[7] ) نفسه ص 42
[8] ) نفسه والصفحة نفسها
[9] ) نفسه ص 45
[10] ) نفسه ص 65
[11] ) نفسه ص 66
[12] ) نفسه ص 71
[13] ) نفسه ص 95
[14] ) نفسه ص 109
[15] ) نفسه ص 110
[16] ) نفسه ص 114
[17] ) نفسه ص 131
[18] ) نفسه ص 141
[19] ) نفسه ص 180
[20] ) نفسه الصفحة نفسها
[21] ) نفسه ص 213
[22] ) نفسه ص 123
[23] ) نفسه ص 238
[24] ) نفسه ص 252
[25] ) نفسه ص 293
[26] ) نفسه ص 326
[27] ) نفسه ص 335
[28] ) نفسه ص 351
[29] ) نفسه ص 393

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق