الخميس، 16 ديسمبر 2010

الثقــافة والعولمـــة : مقاربات نقدية مدارها النص تأليف د / أحمد سالم ولد اباه


" الثقافة والعولمة " مجموعة من البحوث المنتمية لمجالات معرفية شتى ، مكتوبة في سياقات زمانية ومكانية بل وموضوعية مختلفة، يجمعها هاجس الوعي بالنصوص ومحاولة اكتشاف مظاهر حياتها، ومتابعة مراحلها المختلفة من بداية المحو والإثبات، حتى التوقيع والإذاعة، وهي وإن فرقتها العوامل السالفة الذكر فإن الهدف والأسلوب يوحدانها .

إن اختيارنا للكتاب عباءة لهذه الفصول، ينطلق من فكرة الوعي بضرورة إبراز المكونات الثقافية لبلادنا، في وجه عولمة تحتاج معها كل أمة لإشهار خصوصيتها، سبيلا لتكون جزءا من ذاكرة جمعية مفترضة قيد التكون، أو على الأقل لتذكر بها أبناءها في مقابل السيل الهائل من المعلومات المتدفق عبر وسائل الإعلام والنشر الرقمي؛ لذلك ارتأيت اقتراح "الكتابة في زمن العولمة" تذكيرا بزمننا الثقافي ، وبقيمته ، وضرورة استحضاره، وهو بهذا المعنى يحيل إلى "حزمة من المعلومات لا يجمعها رابط متبادر للذهن" لكن الممعن للنظر يجد أن الكتاب – عبر الزمن – كان يترجم نظرة "جامعه" فردا، أو أسرة ، أو مجموعة أيا كانت؛ لأن الذي يؤلف الكتاب حتما سينطبع بطابعه، أثناء متابعته لمهامه العلمية والثقافية عند المطالعة، وفضول الاستماع أو المناظرة، وغيرها من وسائل الإعلام التقليدية.

أما هذا الكتاب فهو وإن انطبع بطابع كاتبه فإنه يتخذ هاجسا له بعض المستجدات المنهجية من مثل الترتيب، والتبويب ، والالتزام بالمنهج ، والحياد العلمي ، والأمانة في العزو عند الأخذ ، وهي أمور أصبحت تشكل لغة التواصل في فن الكتابة الحديثة ، أما مضمونه فيحوي عشرين بحثا فصلت في أربعة فصول، بكل فصل خمسة مباحث، وتغطي هذه الفصول جزءا من مشروع علمي طموح يصدر عن هاجس ربط المنتج الثقافي في بلادنا بسياقه العربي ، وكشف تعالق ذلك المنتج - على غرار المنتجات الأخرى - مع مناحي التغيرات الحاصلة على المستويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وتهدف الفصول الأربعة المذكورة إلى تنمية طرح تسلسلي من أربعة نقاط على النحو التالي:

الفصل الأول: تجريب الأدوات النقدية الحديثة (قراءات في الأدب الموريتاني) ويهدف من خلال مباحثه الخمسة إلى زيادة وعينا بالنصوص، من أجل تسليط الضوء على قدرتها للأخذ بأيدينا حتى نصل إلى حيث لاتصل الكثير من الدراسات التي لا تتوسل بالنصوص للوصول إلى أهدافها ، غير أن علينا التنبيه هنا إلى أن النص كمفهوم – واللغة تسعفنا في هذا المجال – لا يعني مجموعة من الأصوات، أو الحركات المنجزة كتابة أو نطقا فحسب، وإنما ننادي بترك مفهوم النص متسعا ليشمل كل بناء، يحوي بداخله نظاما، يجعله مختلفا عن الأنظمة الخارجية الأخرى ، وهو ما يوفر لكل بناء القابلية ليكون دالا في نظامه الذي يشكل مع الأنظمة القريبة منه نسقا معرفيا ما.

أما الفصل الثاني: الثقافة والعولمة : فحص لمظاهر الأخذ والعطاء بين الثقافات عبر الزمن، فينصرف إلى الاهتمام بمظاهر التعاطي بين الثقافات ، وقدرة الإنسان على الاقتراض من غيره معرفيا والتبييئ في محيطه، أي أن الفصل ينحو نحو كشف الجدلية القائمة بين المكان والعلم، إذ أن هذا الأخير يجد وصفه المناسب في العالمية ، وهو بذلك يتعالى على المكان ونسبيته .

ويأتي الفصل الثالث: الخطاب النقدي عند العرب ( مساهمة في نقد النقد ) لقياس دور التراكم المعرفي – ولو بوصفه إساءة قراءة – في خصوبة الرأي النقدي ، وقد تجلى ذلك في عدم رضوخ الإنسان للإكراه الزمني، القاضي بالفصل بين الفترات التاريخية، بالتحقيب المعتمد على مفصلة الزمن تبعا للسياسة، أو غيرها من مظاهر النشاط الإنسانية ، وتبدو مظاهر قهر الإنسان للزمن في أشكال كثيرة نذكر منها التدوين والكتابة، علامة على حب الخلود – بغير وعي ربما - وهو ما ساعد المتأخر على معرفة رأي المتقدم - الذي لم يترك له شيئا - كما قيل .

ويختم الفصل الرابع: أطر التفكير وأشكال الكتابة ( مداخل منهجية متعددة ) الرؤية الرباعية هذه كقيد للفصول الثلاثة المتقدمة ، إذ أنه رغم احتياج الإنسان للوعي بأهمية لكتابة وبأهمية التعاطي مع الأمم رغم فارق الزمان والمكان ، فإن المكتوب كثير والخالد منه قليل ، ومما لا خلاف فيه أن البقاء- مع كونه للأصلح - فإن تقيد الكاتب بالتمييز بين أنواع الكتابة ، وتقيده كذلك بمنهج معين أثناء التفكير وعند التدوين يساعده على وضوح الرؤية ونجاعتها لإقناع القارئ .

وبشكل أكثر تفصيلا وعلى مستوى المباحث، فإن خصوصية الثقافة الموريتانية (الموسيقي والشعر) هو بحث تعريفي بالثقافة الموريتانية عبر المظهرين المذكورين في الفضاء العربي ، وهو أمر يمليه وضع المهاجر خارج بلاده حين يستقبل أسئلة واستشكالات في مجال تخصصه، من طرف زملائه، وأساتذته، وحتى من عامة من يقابلهم، وقد كان البحث – من ثم - يستجيب لهاجس التعريف والتبسيط كما هو واضح في ثناياه.

ولأن محمد ولد أحمد يوره شخصية أدبية وعلمية ضاعت بين طرفي تصنيف جائر ، يعتبر طرفه الأول أن محمد لا يمكن تصنيفه بسبب شعره الشعبي إلا أنه ماجن مستهتر جاء قدرا لإثارة فضول المستمتعين بذلك القول الشعري الماجن ، وقد دأب على هذا التصنيف كثير من عامة الناس وأشباههم من مقدمي البرامج الإذاعية، من غير المتخصصين في هذا الفن أعني فن النقد والتذوق ، أما الطرف الثاني - وربما كان ردة فعل على الأول أو العكس – فيعتبر تصنيفه غير ممكن – بحكم موقعه الأسري – إلا وليا صالحا ، ومن ثم فهم متفانون في البحث عن التأويلات والمبررات لما يدعي الطرف الآخر أنه يفهمه من نصوصه الشعرية ، ويجد هؤلاء عصاهم السحرية في قلب الأقوال عن ظواهرها.

من هنا كان لابد من بحث يرد الأمور إلى نصابها ، فيدرس نصوص الرجل من حيث هي ، ويحكم عليها بعد الفحص الداخلي للشيء الأكثر ارتباطا بالأدب عموما والشعر منه خصوصا وهو اللغة .

ثم يأتي انعكاس القضايا العربية في الشعر الموريتاني : ويسعي إلى كشف تفاعل الإنتاج الشعري فصيحا ولهجيا مع كبريات القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية ، وحرب الخليج ، والعدوان الثلاثي ، والثورة الناصرية وغيرها من الأحداث العربية البارزة .

وكذلك مصادر النقد العربي الحديث ( النقد في موريتانيا نموذجا) : هو بحث يتخذ هما له كشف تعالق النقد الموريتاني مع الثقافة العربية والأوربية من خلال بعثات الدراسة ، وارتياد المراكز الثقافية المفتتحة في بلادنا : ويحاول البحث التفريق بين جو الإنتاج العلمي والنقدي داخل البلاد وخارجها سواء كان الكاتب مهاجرا للعمل أو للدراسة .

أما السياحة في مدن القوافل الموريتانية : فهو عمل قمت بإعداده مركزا على تقابل السياحة الثقافية - كما أدعو إليها – مع السياحة الرياضية والاكتشافية التي تشيع في بلادنا ، كما ركزت على نواحي بيع التراث، وكذا التعامل معه بما لا يليق من أصحابه ومن الزائرين ، وخلصت إلى جملة من التوصيات المفيدة عند الأخذ بها.

ويندرج بحث الخطاب الصوفي بين القديم والحديث ( قراءة في الأساليب ) ضمن تحليل الخطاب الذي يعتمد على فحص النصوص المختلفة في استراتيجيات البناء ، و الأزمنة المنتجة فيها، وبالتالي في خصائصها الأسلوبية ، وطبقت ذلك على الخطاب الصوفي عبر زمنيين: قديم وحديث ، وقد أتى بنتائج مرضية بالنسبة للمجهود المبذول فيه .

وكذلك بحث أدب التصوف بين الخصوصية والاستمداد شعر الشيخ إبراهيم انياس نموذجا : هو تحليل لمجموعة من النصوص الشعرية المختارة من دواوين الشيخ إبراهيم انياس لفحص قدرته على تذليل الأدوات اللغوية والثقافية في وجه ما يقصد التعبير عنه من واقع ووقائع ، وربط ذلك بالتراث العربي عموما ،وأدب التصوف خصوصا .

أما ملاحظات حول المسكوت عنه في النقد العربي القديم : فهي في الأصل مسودة للمقرر الدراسي لمادة النقد العربي القديم المدرس للسنة الثانية من قسم اللغة العربية وآدابها ، ثم ارتأيت أن أجمعها وأعدها للنشر مركزا ضمنها على ما يمنع قوله في الثقافة العربية عامة والثقافة النقدية بشكل خاص.

ثم بحث طه حسين نقده الأدبي والمؤثرات الأجنبية : وهو دراسة نصية تحاول قراءة نص من نصوص طه حسين( حافظ وشوقي ) لاستبيان اعتماده على النقد الأجنبي الذي تربطه به علاقات تاريخية واجتماعية وفلسفية وقد حاول البحث كشف ما يساعد النص على كشفه .

وبعد فإن الكتاب موجه لطلاب كليات الآداب ومدارس المعلمين والأساتذة، وجمهور القراء، ورواد المكتبات الثقافية، والمتخصصين في مجال الأدب والنقد.


* الثقـافة والعولمة : مقاربات نقدية مدارها النص، المكتبة المصرية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة ط 1 /2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق